يومًا بعد آخر، تتطوّر العلاقة، التي وُصِفت يومًا بـ"المستحيلة"، بين "​القوات اللبنانية​" و"تيار ​المردة​"، ليصبح الحديث عن "تحالفٍ انتخابيّ" وشيك وممكن بينهما أكثر من جدّي، وبعيدًا كلّ البُعد عن منطق "المناورة" الذي تلطّى خلفه كثيرون.

فبعدما كان فرنجية يعتبر زيارة ​معراب​ "صكّ براءة" لرئيس "القوات"، حطّ الوزير السابق ​يوسف سعادة​، المقرّب جدًا من "بيك زغرتا"، في دارة الأخير وعقد لقاءً مطوّلاً معه، لقاءٌ قد تفوق أهميته في الشكل مضمونه، أياً كان، ولو بقي مستورًا إلى أبد الآبدين...

الشكل قبل المضمون

زار الوزير السابق يوسف سعادة معراب، حيث التقى رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ في حضور ممثل "القوات" في اللجنة المشتركة بين الحزبين طوني الشدياق. لم يحصل الأمر سرًا ولا تحت جنح الظلام، ولم يُسرَّب خبر اللقاء للإعلام عن طريق مصادر تحتمل الصواب كما الخطأ، ولا حتى على طريقة جسّ النبض ليُبنى على الشيء مقتضاه في ضوء ذلك.

على العكس من ذلك، حصل الأمر في العَلَن، وبتسريبٍ حرص تيار "المردة" على إعطائه الطابع الرسميّ، من خلال إصدار بيانٍ لا لبس فيه عن اللقاء، وإن اكتفى بـ"العموميات" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لجهة القول أنّ المجتمعين عرضوا خلال اللقاء لمسار العلاقة بين "القوات" و"المردة" وتطورها، كما تناولوا أبرز المستجدات السياسية.

عمومًا، قد يكون مجرّد حصول اللقاء هو "الحدث" بمعزلٍ عن الأحاديث التي دارت خلاله، حتى في حال لم تتخطّ البُعد "الاجتماعي" في أسوأ الأحوال، خصوصًا أنّه الأول من نوعه في معراب، وإن مهّدت له لقاءات حصلت في ​بنشعي​، إلا أنّها لقاءاتٌ ارتبطت بالمجمل بالعمل الوزاري، سواء من جانب نائب رئيس الحكومة وزير الصحة ​غسان حاصباني​ أو وزير الإعلام ​ملحم رياشي​.

فتش عن باسيل...

وإذا كان مجرّد تواجد قياديّ من "المردة" في مقرّ "القوات" من سابع المستحيلات قبل أشهر، لدرجة أنّ لجان التنسيق التي عقدت بين الجانبين في فترة ​الانتخابات الرئاسية​ كانت تحصل في أماكن مصنّفة "حيادية"، فإنّ ما لا شكّ فيه أنّ رئيس "​التيار الوطني الحر​" وزير الخارجية ​جبران باسيل​ لعب، من حيث يقصد أو لا يقصد، دورًا أساسيًا وجوهريًا في جمع "الأضداد"، أو بكلامٍ آخر، التقريب بين "الخصمين التاريخيين" وإذابة "الجليد" بينهما لحدّ كبير.

وفي هذا السياق، ليس مبالَغًا به أبدًا القول أنّ "النكايات" لعبت دورها على هذا الصعيد، وذلك باعتبار أنّ انفتاح "المردة" على "القوات" لم يكن ليحصل لولا الخلاف الكبير مع "التيار"، وتحديدًا مع الوزير باسيل، الذي يُقال أنّ الكيمياء ليست فقط مفقودة بينه وبين فرنجية بل منعدمة بكلّ ما للكلمة من معنى، وخير دليلٍ على ذلك التراجع الكبير الذي أصاب العلاقة بين الحزبين منذ وصول باسيل لرئاسة "التيار"، ولو أنّ الفتور بدأ عمليًا مع "الافتراق الرئاسي" على خلفيّة المنافسة على الرئاسة بين فرنجية ومؤسس "التيار" رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​.

وعلى الرغم من أنّ التفاهم المُبرَم بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" لا يزال ساريًا حتى إشعارٍ آخر، فإنّ حسابات "النكايات" تبدو أكثر وضوحًا حتى في انفتاح "القوات" على "المردة"، إذ إنّ جعجع يسعى من خلال تقاربه مع فرنجية لتوجيه رسالة شديدة اللهجة لـ"التيار" في ضوء الامتعاض "القواتي" الذي لم يعد خافيًا على أحد من أداء باسيل. ولعلّ تراكم الخلافات التكتيكية بين الجانبين على كلّ شيء تقريبًا ساهم في حصول هذا التقارب، خصوصًا بعدما شعر "القواتيون"، في الحكومة وخارجها، أنّ "العونيين" يريدون أن يأخذوا كلّ شيء من دون أن يعطوا شيئاً بالمقابل، قبل أن "تنفجر" الأمور على خلفيّة بدء الحديث عن "افتراقٍ انتخابي" روّج له "العونيّون" أولاً على قاعدة "التحالف بالقطعة"، وتبنّاه جعجع أخيرًا بنظرية "المصلحة" التي أطلقها أخيرًا ممهّدًا لما يمكن وصفه بـ"الانفصال الانتخابي".

تحالف وشيك؟

لا شكّ أنّ العلاقة بين "القوات" و"المردة" تتقدّم إذاً، وقد شهدت تحوّلاً كبيرًا عمّا كانت عليه قبل أشهر قليلة فقط، ولكنّها لا تزال حتى الساعة في إطار ما يحلو للبعض في الحزبين تسميته بـ"كسر الجليد" ليس إلا، ما يطرح علامات استفهام عمّا يمكن أن يلي ذلك، وهل يمكن أن تصل الأمور لحدّ التحالف الانتخابيّ بين الجانبين.

وإذ كان واضحًا، حتى الآن، أن لا شيء محسومًا بعد لجهة حصول تحالف انتخابي بين "القوات" و"المردة"، وكلّ الاحتمالات تبقى واردة حتى إشعارٍ آخر، وهو ما تردّده أصلاً قيادتا الفريقين في كلّ مناسبة، فإنّ الأكيد أنّ المرحلة الحالية تُعتبَر بالنسبة لكليهما المرحلة الأكثر دقّة وحساسيّة في مسار "التحالف"، إن حصل، باعتبار أنّ ما يحصل اليوم هو الذي يهيئ الأرضية لمثل هذا التلاقي، خصوصًا أنّ القاعدتين الشعبيّتين لكلّ من "القوات" و"المردة" ليستا جاهزتين بعد لـ"انقلابٍ" من هذا الحجم.

وانطلاقاً من ذلك، فإنّ على الجميع الانتظار حتى تنقضي هذه المرحلة، لأنّه فقط عندها "سيجِدّ الجدّ"، كما يُقال، وسيبدأ الحديث عن إمكانية بلورة تحالفٍ انتخابيّ، قد يتوسّع أكثر وأكثر، رغم التباعد على المستويات الاستراتيجية، وهو تباعدٌ حاصلٌ أصلاً بين "القوات" و"التيار الوطني الحر"، وليس هو ما عكّر صفو العلاقات بين الجانبين. وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أنّ هناك تسريبات بدأت من الآن تتحدّث عن تبلور تحالفٍ بين "القوات" و"المردة" يضمّ آخرين في دوائر الشمال، قد يكون المقعد الذي يطمح لكسبه الوزير جبران باسيل نفسه في ​البترون​ مهدّدًا بنتيجته، وإن كان هناك من يضع مثل هذه التسريبات في خانة "رفع الأسقف" ليس إلا.

"إغراء" ولكن...

قد يكون هدف "الإطاحة" بطموح الوزير جبران باسيل النيابي وحده كافيًا لتوسيع رقعة التقارب بين "القوات" و"المردة"، وفق المنطق القائل بأنّ "المصيبة تجمع"، وأنّ كلا الجانبين راغبٌ بـ"قصّ أجنحة" وزير الخارجية، بشكلٍ أو بآخر.

لكن، وبغضّ النظر عن حجم "الإغراء" ونسبته، يبقى الأكيد أنّ مثل هذا "التقارب"، ولو حصل، يبقى محدودًا من حيث الهدف والأمد، ربطًا بالانتخابات الرئاسية نفسها، التي ستضع فرنجية وجعجع وجهًا لوجه، وبينهما باسيل نفسه الذي يمنّي نفسه بأن يكون "الخليفة القوي" الذي تحدّث عنه الرئيس ميشال عون قبل فترة...